فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)}.
البارئ سبحانه وتعالى عالم بما بدا وما خفي وما كان وما لم يكن، لا يخفى عليه ماضٍ تَقَضَّى، ولا مستقبَلٌ يأتي.
وهذا على العموم تمدّح به، وهو أهل المدح والحمد.
والمراد به هاهنا التوبيخ والوعيد لمن تقدّم التعريض به في الآية قبلها، ممن أشير إليه بقوله: {ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ومن أشير إليه في قوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا} فقيل لهم في هذه الآية: إن الله تعالى يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها.
فصارت هذه الآية منعطفة على ما قبلها مبينة لها. والله أعلم.
{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضًا نكلمهن من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية.
الثانية: ذكر الله تعالى في هذه الآية من يحلّ للمرأة البروزُ له، ولم يذكر العمّ والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين.
وقد يسمى العم أبًا، قال الله تعالى: {نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: 133] وإسماعيل كان العمّ.
قال الزجاج؛ العمّ والخال ربما يصفان المرأة لولديهما، فإن المرأة تحلّ لابن العمّ وابن الخال فكره لهما الرؤية.
وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها.
وقد ذكر في هذه الآية بعض المحارم وذكر الجميع في سورة النور، فهذه الآية بعض تلك، وقد مضى الكلام هناك مستوفى، والحمد لله.
الثالثة: قوله تعالى: {واتقين الله} لما ذكر الله تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة، عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة.
وهذا في غاية البلاغة والإيجاز، كأنه قال؛ اقتصرن على هذا واتقين الله فيه أن تتعدَّينه إلى غيره.
وخص النساء بالذكر وعيَّنهن في هذا الأمر، لقلة تحفظهن وكثرة استرسالهن.
والله أعلم.
ثم توعّد تعالى بقوله: {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِن تُبْدُواْ شَيْئًا} ممَّا لا خيرَ فيه كنكاحهنَّ على ألسنتِكم {أَوْ تُخْفُوهْ} في صدورِكم {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شيء عَلِيمًا} فيجازيكم بما صدرَ عنكُم من المعاصِي الباديةِ والخافيةِ لا محالَة، وفي هذا التعميمِ مع البُرهانِ على المقصودِ مزيدُ تهويلٍ وتشديدٍ ومبالغةٍ في الوعيدِ.
{لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في ءابَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء أخواتهن} استئنافٌ لبيانِ مَن لا يجبُ الاحتجابُ عنهم رُوي أنَّه لمَّا نزلتْ آيةُ الحجابِ قالَ الآباءُ والأبناءُ والأقاربُ يا رسولَ الله أوَ نكلمهن أيضًا من وراءِ الحجابِ فنزلتْ وإنَّما لم يُذكر العمُّ والخالُ لأنَّهما بمنزلةِ الوالدينِ ولذلك سُمِّي العمُّ أبًا في قولِه تعالى: {وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} أو لأنَّه اكتُفي عن ذكرِهما بذكرِ أبناءِ الإخوةِ وأبناءِ الأخواتِ، فإنَّ مناطَ عدمِ لزومِ الاحتجابِ بينهنَّ وبينَ الفريقينِ عينُ ما بينهنَّ وبينَ العمِّ والخالِ من العمومةِ والخئولةِ لما أنهنَّ عمَّاتٌ لأبناءِ الإخوةِ وخالاتٌ لأبناءِ الأخوات، وقيل: لأنَّه كره تركَ الاحتجابِ منُهما مخافةَ أنْ يصِفاهنَّ لأبنائِهما {وَلاَ نِسَائِهِنَّ} أي نساءِ المُؤمناتِ {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من العبيدِ والإماءِ، وقيلَ: من الإماءِ خاصَّة وقد مرَّ في سورةِ النُّورِ {واتقين الله} في كلِّ ما تأُتنّ وما تذرْنَ لاسيما فيما أُمرتُنَّ بهِ ونُهيتنَّ عنْهُ {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شيء شَهِيدًا} لا تَخفى عليهِ خافيةٌ ولا تتفاوتُ في علمهِ الأحوالُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِن تُبْدُواْ شَيْئًا} مما لا خير فيه على ألسنتكم كأن تتحدثوا بنكاحهن {أَوْ تُخْفُوهْ} في صدوركم {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شيء عَلِيمًا} كامل العلم فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة، وهذا دليل الجواب والأصل إن تبدوا شيئًا أو تخفوه يجازكم به فإن الله. إلخ.
وقيل هو الجواب على معنى فأخبركم أن الله الخ، وفي تعميم {شَىْء} في الموضعين مع البرهان على المقصود من ثبوت علمه تعالى بما يتعلق بزوجاته صلى الله عليه وسلم مزيد تهويل وتشديد ومبالغة الوعيد، وسبب نزول الآية على ما قيل أنه لما نزلت آية الحجاب قال رجل: اننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد صلى الله عليه وسلم لنتزوجن نساءه، وفي بعض الروايات تزوجت عائشة أو أم سلمة.
وأخرج جويبر عن ابن عباس أن رجلًا أتى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكلمها وهو ابن عمها فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا» فقال: يا رسول الله إنها ابنة عمي والله ما قلت لها منكرًا ولا قالت لي قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قد عرفت ذلك أنه ليس أحد أغير من الله تعالى وأنه ليس أحد أغير مني» فمضى ثم قال: عنفني من كلام ابنة عمي لأتزوجنها من بعده فأنزل الله تعالى هذه الآية فأعتق ذلك الرجل رقبة وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله تعالى وحج ماشيًا من كلمته.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة أن طلحة بن عبيد الله قال: لو قبض النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة فنزلت {وَمَا كَانَ لَكُمْ} الآية.
قال ابن عطية: كون القائل طلحة رضي الله تعالى عنه لا يصح وهو الذي يغلب على ظني ولا أكاد أسلم الصحة إلا إذا سلم ما تضمنه خبر ابن عباس مما يدل على الندم العظيم، وفي بعض الروايات أن بعض المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة ما بال محمد صلى الله عليه وسلم يتزوج نساءنا والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت، ولعمري أن ذلك غير بعيد عن المنافقين وهو أبعد من العيوق عن المؤمنين المخلصين لاسيما من كان من المبشرين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ورأيت لبعض الأجلة أن طلحة الذي قال ما قال ليس هو طلحة أحد العشرة وإنما هو طلحة آخر لا يبعد منه القول المحكي وهذا من باب اشتباه الاسم فلا إشكال.
{لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في ءابَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء أخواتهن} استئناف لبيان من لا يجب عليهن الاحتجاب عنه، روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب أو نحن يا رسول الله نكلمهن أيضًا من وراء حجاب فنزلت، والظاهر أن المعنى لا إثم عليهن في ترك الحجاب من آبائهن الخ، وروي ذلك عن قتادة، وعن مجاهد أن المراد لا جناح عليهن في وضع الجلباب وإبداء الزينة للمذكورين، وفي حكمهم كل ذي رحم محرم من نسب أو رضاع على ما روى ابن سعد عن الزهري، وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه عن عكرمة قال: بلغ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عائشة رضي الله تعالى عنها احتجبت من الحسن رضي الله تعالى عنه فقال: إن رؤيته لها لحل.
ولم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين أو لأنه اكتفى عن ذكرهما بذكر أبناء الإخوة وأبناء الأخوات فإن مناط عدم لزوم الحجاب بينهن وبين الفريقين عين ما بينهن وبين العم والخال من العمومة والخئولة لما أنهن عمات لأبناء الأخوة وخالات لأبناء الأخوات، وقال الشعبي: لم يذكرا وإن كانا من المحارم لئلا يصفاها لأبنائهما وليسوا من المحارم، وقد أخرج نحو ذلك ابن جرير وابن المنذر عن علي كرم الله تعالى وجهه، وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها مخافة وصفه إياها لابنه، وهذا القول عندي ضعيف لجريان ذلك في النساء كلهن ممن لم يكن أمهات محارم، ولا أرى صحة الرواية عن علي كرم الله تعالى وجهه: {وَلاَ نِسَائِهِنَّ} أي النساء المؤمنات على ما روى عن ابن عباس وابن زيد ومجاهد، والإضافة إليهن باعتبار أهن على دينهن فيحتجبن على الكافرات ولو كتابيات، وفي البحر دخل في نسائهن الأمهات والأخوات وسائر القرابات ومن يتصل بهن من المتصرفات لهن والقائمات بخدمتهن.
{وَلاَ مَلَكَتْ أيمانهن} ظاهره من العبيد والإماء، وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وإليه ذهب الإمام الشافعي، وقال الخفاجي: مذهب أبي حنيفة أنه مخصوص بالإماء وعلى الظاهر استثنى المكاتب قال أبو حيان: إنه صلى الله عليه وسلم أمر بضرب الحجاب دونه وفعلته أم سلمة مع مكاتبها نبهان {واتقين الله} في كل ما تأتن وتذرن لاسيما فيما أمرتن به وما نهيتن عنه، وفي البحر في الكلام حذف والتقدير اقتصرن على هذا واتقين الله تعالى فيه أن تتعدينه إلى غيره، وفي نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب فضل تشديد في طلب التقوى منهن {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شيء شَهِيدًا} لا تخفى عليه خافية ولا تتفاوت في علمه الأحوال فيجازي سبحانه على الأعمال بحسبها، هذا واختلف في حرمة رؤية أشخاصهن مستترات فقال بعضهم بها ونسب ذلك إلى القاضي عياض، وعبارته فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا أظهار شخوصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز.
ثم استدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر رضي الله تعالى عنه سترتها النساء عن أن يرى شخصها وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبلة فوق نعشها لتستر شخصها انتهى، وتعقب ذلك الحافظ ابن حجر فقال ليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن فقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص. اهـ.
وأنا أرى أفضلية ستر الأشخاص فلا يبعد القول بندبه لهن وطلبه منهن أزيد من غيرهن، وفي البحر ذهب عمر رضي الله تعالى عنه إلى أنه لا يشهد جنازة زينب إلا ذو محرم منها مراعاة للحجاب فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش بقبة تضرب عليه وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر رضي الله تعالى عنه، وروى أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال القاسمي:

{إِن تُبْدُوا شَيْئًا} أي: مما لا خير فيه، كنكاحهن على ألسنتكم، على ما روي عن بعض الجفاة: {أَوْ تُخْفُوهُ} أي: في نفوسكم: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} أي: فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة، وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود، مزيد تهويل وتشديد ومبالغة في الوعيد.
قال ابن كثير: أجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أزواجه، أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده؛ لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، وأمهات المؤمنين، واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته؛ هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين. مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله: {مِنْ بَعْدِهِ} أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فما نعلم في حلها لغيره، والحالة هذه نزاعًا، والله أعلم. انتهى.
تنبيه:
في الإكليل: هذه آية الحجاب التي أمر بها أمهات المؤمنين، بعد أن كان النساء لا يحتجبن، وفيها جواز سماع كلامهن ومخاطبتهن، وفيها تحريم أذى النبي صلّى الله عليه وسلم بسائر وجوه الأذى. انتهى.
وقال ابن كثير: هذه آية الحجاب؛ وفيها أحكام، وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر رضي الله عنه، كما روى البخاري عنه أنه قال: «يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر. فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب!» فأنزل الله آية الحجاب.
وكان يقول لو أطاع فيكن، ما رأتكن عين. وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، التي تولى الله تزويجها بنفسه تعالى، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة، في قول قتادة والواقدي وغيرهما. وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى، وخليفة بن خياط، أن ذلك كان في سنة ثلاث. فالله أعلم.
وروى البخاري عن أنس قال: لما تزوج النبي صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلّى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا. فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية.
ورواه مسلم أيضًا والنسائي.
وعن أنس أيضًا قال: بني على النبي صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيًا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدًا أدعو. فقلت: يا رسول الله! ما أجد أحدًا أدعوه. قال: «ارفعوا طعامكم». وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت. فخرج النبي صلّى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته». قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. كيف وجدت أهلك؟ يا رسول الله! بارك الله لك.
فتقرى حجر نسائه كلهن. يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. ثم رجع النبي صلّى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون- وكان النبي صلّى الله عليه وسلم شديد الحياء- فخرج منطلقًا نحو حجرة عائشة. فما أدري آخبرته أو أُخبر، أن القوم خرجوا. فرجع، حتى إذا وضع رجله في أسكفّة الباب داخلة، والأخرى خارجة، أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب. انفرد به البخاري، وأخرج نحوه مسلم والترمذي؛ كما بسطه ابن كثير. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف، في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز. ثم استدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها يُستر شخصها. انتهى.